ليبيا ترفض استقبال مهاجرين مرحّلين من أمريكا وسط تحذيرات حقوقية وقضائية
ليبيا ترفض استقبال مهاجرين مرحّلين من أمريكا وسط تحذيرات حقوقية وقضائية
في تطور مثير للجدل، أوقف قاضٍ فيدرالي أمريكي بشكل مؤقت قراراً وشيكاً من إدارة الرئيس دونالد ترامب بترحيل مهاجرين غير نظاميين إلى ليبيا، ولا يزال مسار هذه الخطوة محل ترقب، وسط تبادل الاتهامات بين الأطراف الليبية حول الجهة المخولة باستقبالهم، بينما جاء النفي الرسمي الليبي متأخرًا بعد أسبوع تقريبًا من تداول الأنباء.
ووصف خبراء حقوقيون وقانونيون ليبيون هذا الترحيل المحتمل بأنه يشكل مخالفة للقوانين المحلية والدولية، بحسب ما أفادوا به “جسور بوست”، وأشار أحدهم إلى أن نحو 79 مواطنًا ليبيًا محتجزون في السجون الأمريكية، بينهم مخالفو إقامة، قد يكونون مرشحين للترحيل في المستقبل.
وتصنّف وزارة الخارجية الأمريكية ليبيا على أنها "دولة من المستوى الرابع، لا يُنصح بالسفر إليها"، مشيرة في تقريرها لعام 2023 إلى أن مراكز احتجاز المهاجرين في ليبيا مكتظة وتفتقر للضمانات القانونية لحماية حقوق المحتجزين.
خلفية القرار وأبعاده
منذ تولي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منصبه في يناير الماضي، قامت إدارته بترحيل مئات الأشخاص إلى دول منها بنما، وكوستاريكا، والسلفادور.. لكن الشرارة الأولى للأزمة الحالية اندلعت في الأول من مايو الجاري، حين كشفت شبكة “CNN” أن الإدارة الأمريكية تدرس توقيع اتفاق مع ليبيا باعتبارها "دولة ثالثة آمنة"، يسمح بإرسال طالبي لجوء ومهاجرين ذوي سجلات جنائية إلى الأراضي الليبية.
وأكدت وكالات أنباء وصحف، مثل رويترز وواشنطن بوست ونيويورك تايمز، أن واشنطن أجرت بالفعل محادثات مع السلطات الليبية، بهدف ترحيل مهاجرين من جنسيات متعددة، بينما لم يتم التوصل إلى اتفاق نهائي حتى الآن، وفقًا لتقارير تحدث عن عراقيل في التنفيذ.
وفي هذا السياق، كشفت شبكة "NBC News" أن 13 مهاجراً من الفلبين، وفيتنام، ولاوس، والمكسيك، احتُجزوا في ولاية تكساس، واقتيدوا فجرًا إلى قاعدة عسكرية استعدادًا لترحيلهم. وصرّح المحامي تين ثانه نغوين بأن ”موكله، عامل بناء فيتنامي من لوس أنجلوس، كان من بين المرحّلين الذين نُقلوا إلى مطار عسكري".
غير أن قرار القاضي الفيدرالي براين مورفي في 7 مايو أوقف العملية، مؤكدًا أن هذه الترحيلات تحرم المهاجرين من فرصة "حقيقية" للدفاع عن أنفسهم، وموضحًا أن الطرد إلى بلد ثالث دون إخطار مسبق يمثل انتهاكًا لحقوقهم.
وكان القاضي مورفي قد أصدر في أبريل قرارًا مماثلًا بمنع ترحيل مهاجرين إلى دول ليست بلدانهم الأصلية، دون منحهم فرصة للاعتراض القانوني.
رفض ليبي واسع
أثار القرار الأمريكي المعلق موجة من الرفض والتصريحات المتباينة داخل ليبيا، وأكد رئيس لجنة الأمن القومي في المجلس الأعلى للدولة، سعيد ونيس، أن المجلس يرفض أي خطوات أحادية الجانب بشأن ملف الهجرة، داعيًا لاعتماد رؤية وطنية شاملة لا تزال قيد المناقشة.
من جانبه، اتهم وزير خارجية الحكومة المكلفة في الشرق، عبد الهادي الحويج، حكومة الوحدة في الغرب بالسعي للبقاء في السلطة من خلال اتفاقات "مشبوهة"، دون تفويض قانوني أو شعبي، معلنًا رفض حكومته لأي مساعٍ لتوطين مهاجرين في ليبيا.
بدورها، نفت حكومة الوحدة الوطنية في بيان رسمي وجود أي اتفاق مع واشنطن لاستقبال مرحّلين، معتبرة أن "بعض الجهات الموازية غير الشرعية" قد تكون طرفًا في تفاهمات لا تمثل الدولة الليبية ولا تُلزمها.
وأصدر الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر بيانًا شديد اللهجة، شدد فيه على رفض استقبال أي مهاجرين مُرحلين، معتبرًا الأمر "مساسًا بسيادة الوطن"، وأكد أن مناطق سيطرة الجيش لن تكون ملاذًا لأي مهاجرين، مهما كانت الظروف أو التبريرات.
وفي السياق نفسه، أعلن المجلس الأعلى للدولة برئاسة محمد تكالة رفضه القاطع لأي ترتيبات غير رسمية تهدف إلى ترحيل مهاجرين أو مدانين إلى ليبيا، بينما أكد رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي في مجلس النواب، طلال الميهوب، أن اللجنة ستتابع المسألة عن كثب وترفض تلك الخطط.
من جانبها، حذرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الولايات المتحدة من ترحيل مهاجرين قسرًا إلى ليبيا، مؤكدة أن "ظروف احتجاز المهاجرين في ليبيا غير إنسانية، وأن البلاد تفتقر إلى أي نظام قانوني يحمي حقوق اللاجئين".
وأشار تقرير المنظمة إلى أن ليبيا ليست طرفًا في "اتفاقية اللاجئين لعام 1951"، ولا تمتلك أي قوانين أو إجراءات واضحة للجوء، كما أن احتجاز المهاجرين فيها يتم بشكل تعسفي دون حق الاستئناف أو وسائل الإنصاف القانونية.
الاحتمالات والعقبات
قال الدكتور عبد المنعم الحر، رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان في ليبيا، في تصريح لـ"جسور بوست"، إن "عدد المهاجرين الليبيين الموجودين في الولايات المتحدة يبلغ 79 شخصًا، بعضهم محتجز في السجون، وآخرون يعيشون على الأراضي الأمريكية دون إقامة قانونية، وهؤلاء هم من قررت الولايات المتحدة إعادتهم إلى ليبيا"، وأكد أن "هذه هي الحقيقة المجردة بعيدًا عن أي تهويل إعلامي".
وأوضح الدكتور الحر أن تنفيذ قرار الترحيل الأمريكي يواجه صعوبات كبيرة من الناحية النظرية، مشيرًا إلى سببين رئيسيين، أولهما أحكام قضائية دولية سابقة، حيث أصدرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في وقت سابق حكمين يمنعان إعادة المهاجرين إلى ليبيا، بسبب غياب الاستقرار واحتمال تعرضهم لانتهاكات جسيمة.
وتابع: أما السبب الثاني فيتعلق بالواقع السياسي الليبي، إذ تمر ليبيا بمرحلة انتقالية، وتفتقر الأجسام السياسية الحالية إلى الشرعية الانتخابية.
وشدد على أن "إبرام أي صفقات تمس سيادة الوطن أو حقوق المواطنين لا يجوز خلال هذه المرحلة، بل يتطلب وجود رئيس وحكومة تسيطر فعليًا على كامل التراب الليبي".
وأعرب الدكتور الحر عن اعتقاده بأن "الصفقات التي تطرحها إدارة ترامب لا تتماشى مع مبادئ حقوق الإنسان، التي ترفض الإعادة القسرية وتؤكد أهمية العودة الطوعية".
وعند سؤاله عن إمكانية تنفيذ الترحيل إذا رُفع الحظر القضائي الأمريكي، قال: "قد تمارس الولايات المتحدة ضغطًا سياسيًا باستخدام نفوذها، ما قد يدفع بعض المسؤولين الليبيين للموافقة، لكن الأهم من ذلك هو غياب الدعم الشعبي الكامل لهذه الصفقة من مختلف أطياف المجتمع الليبي".
تحذيرات قانونية وإنسانية
من جانبه، وصف المستشار القانوني والحقوقي الليبي وأحد مشايح وأعيان قبيلة ورفلة بمدينة بني وليد، موسى علي الغويل، الخطوة الأمريكية بأنها "مقلقة للغاية من الناحيتين الإنسانية والقانونية، وتنطوي على انتهاكات محتملة للقانون الدولي وحقوق الإنسان، وتمثل إساءة واضحة للشعب الليبي، وخرقًا صارخًا للتشريعات الليبية والدولية، فضلًا عن تجاهل خطير للوضع الإنساني المتردي داخل البلاد".
وأكد الغويل، في تصريح لـ"جسور بوست" أن "القانون الليبي لا يجيز، سواء من حيث التشريعات أو التزامات الدولة بموجب الاتفاقيات الدولية، استقبال مرحّلين قسرًا من دول أخرى، خاصة إذا لم تكن لهم صلة قانونية بليبيا أو لا يحملون جنسيتها".
وأضاف أن "ليبيا تفتقر حاليًا إلى جهة مختصة أو موثوقة يمكنها ضمان سلامة هؤلاء المرحّلين، في ظل انعدام الرقابة على مراكز الاحتجاز وانتشار الانتهاكات".
وشدد على أن "ترحيل مهاجرين إلى بلد غير آمن يُعدّ خرقًا لاتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، وينتهك مبدأ عدم الإعادة القسرية الذي تنص عليه اتفاقية اللاجئين لعام 1951".
وأضاف الغويل: "الشعب الليبي الذي يعاني بدوره من الحروب والانقسامات، يرفض أن يُستخدم اسمه أو تُستغل أرضه في صفقات غير أخلاقية تتعلق بالهجرة في دول أخرى"، لافتًا إلى أن "أي جهة شرعية أو منتخبة لم تعلن موافقتها على استقبال مرحّلين من الولايات المتحدة، بل إن الحكومتين في الشرق والغرب نفتا بشكل قاطع وجود أي اتفاق بهذا الشأن".
ودعا الغويل إلى "رفض شعبي ورسمي قاطع لأي ترتيبات مماثلة"، مع التأكيد على "احترام سيادة ليبيا وكرامة شعبها"، مطالبًا السلطات الليبية بـ"إصدار موقف واضح ومعلن برفض استقبال أي مهاجرين مرحّلين من الولايات المتحدة أو غيرها".
كما طالب "المجتمع الدولي باحترام القانون الدولي، والتوقف عن استغلال الدول الضعيفة كأدوات في سياسات الهجرة، التي غالبًا ما تُبنى على أسس غير عادلة وتنتهك حقوق الإنسان".